قبل سقوط القدس بيد مغول هذا العصر... دراكيولا الجديد... الذي يمتص الدم بالليل والنهار ولا يشبع, كنا ننعم ببعض الأمان.. بل كانت هذه الأمة منفوخة البالون لا يحلو لها في أوقات السمر إلا التغني بعنترياتها, وبطولاتها, وأمجادها, ومغامراتها, وتتفاخر بحسبها ونسبها, وانتمائها العشائري والقبلي والعائلي وبطونها وجذورها وشجرة عائلتها العريقة.
سقطت القدس... وقع الاقصى في الأسر وألقيت هذه الأمة من وراء مكاتبها, كُسِرت كل طواحين الهواء العنترية التي كانت تدور في داخلها ولا تطحن إلا علفاً... ثُقِبت كل أكياس التيه والغرور, والعنجهية, والعنتريات التي كانت تملأ جماجمها...
سقطت القدس... وقع الاقصى في الأسر... اغتيلت في نفس اليوم جميع الخرافات من الزير سالم, الى أبي زيد الهلالي, الى الشاطر حسن, وافتح يا سمسم الى السندباد... الى كل الأبطال الخرافيين والمصنوعين من نسج الخيال المريض, ومن مادة الشمع والحلم والصمغ الكاذب, والأمنيات الخادعة, والذين اختبأنا وراءهم قروناً بسبب عجزنا وضعفنا وهوائنا وجبننا وكسلنا, من أن نكون أبطالاً حقيقيين كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص والمقداد بن الأسود وصاحب النُقُب, وصلاح الدين الأيوبي ونور الدين زنكي التفتنا إليهم ساعة العسرة والكرب لنطلب نصرتهم, ونطمئن على معنوياتهم, لم نجدهم إلا أمشاطا مكسورة, وقوارير عطر فارغة...
كل هذه الأمة –إلا من رحم ربك- من المحيط الى المحيط... من طنجة الى جاكرتا... بما في ذلك النباتات والأشجار والحيوان الأبكم... الجدران... والتلال... والجبال... والبحار... والأنهار... والغدران... والصحاري... غير مبرأة من دم القدس... من انتهاك حرمة الاقصى وتدنيس قبتها وصخرتها وباحاتها, وبواباتها ومحيطها وأكنافها...
99.9% غارقون حتى الركب... حتى النخاع في التهمة... وكلٌ شارك في تطويقها ورحلة معاناتها الطويلة, وكلنا مطالبون بدفع الأذى عنها... إنهاء أزمتها... غسيل مآذنها الباكية... ولا أقل من ذلك ولا نود ونحن نغلي من شدة القهر والسخط المطالبة بحرق الذات في منتصف الشوارع حسب الطريقة البوذية, كقِصاص ذاتي لقصورنا وضلوعنا المؤكد في الإيقاع بها وكيها بنار الحصار.
الأقصى يذبح كل ساعة فأين السياسيون والمفكرون والمبدعون والفنانون والأدباء والكتّاب, الذين لبسوا أكفانهم تصحيحاً للخطأ التاريخي, واستعدوا للوقوف كالإعصار في وجه سيف الذابح؟ بل مَن مِن هؤلاء جميعاً الذين أسهموا بقصدِ أو بغير قصد بإذلال سلوان, وشعفاط, وبيت صفافا, وجبل المكبّر ووادي الجوز, وباب العامود, وباب القطانين, وباب الأسباط, والشيخ جرّاح وهو على استعداد أن يستشهد من أجل قدس الأقداس, ولو على بياض ورقة؟؟... أم أن معظمنا وللأسف يوظف فكره, وجهده وحكمه وسيفه لخدمة حكومة بلده... يأكل ويشرب وينام على فراش وثير ووسادة ناعمة ويتمتع كالأنعام, ثم هو ينسى هموم القدس ويذكر فقط أن يدعو للسلطان بطول العمر لأنه يأكل من فتات طعامه...
ما بين غمضة عين وانتباهها ارتحلت القدس... وقع الأقصى رهين المحبس.. لكن أين كنا في هذا اليوم الأسود؟ أين كانت القصائد والسيوف والكلمات؟ كل شئ فينا كان أشبه بالقطط المنزلية الأليفة التي فقدت شهية القتال, وضاعت رهافة أنيابها, كلماتنا... مواقفنا... رجولتنا... شهامتنا... عزتنا كانت كفصائل من الدواجن ترقد كل عام اثني عشر شهراً على بيضاتها, ثم تكشف أن بيضها فارغ.
وهكذا حين ادلهمت الخطوب من كل حدب وصوب وسقطت القدس, لم نجد إلا عنتريات فارغة من أي محتوى, وعضلات مترهلة كثيرة الشحم, بطوننا وكروشنا لا تُحسن إلا الركض خلف الولائم وحفلات دق العِدة ومواسم الدروشة والمناسف.
وأعضاء مجموعة الأمّة العربية غارقون بين الزار والشطرنج, والكازينوهات والنعاس, بل وأغلبهم يمسح الرعاف والمخاط بالجدران وجذوع الأشجار... وأصحاب الكروش يستحمون مع الخيول في المستنقعات.
القدس تغتال... عروس المدائن جهزوا كفنها... ومغول العصر مصرّ ان يقيم فيها إقامة أبدية بعد أن يصفّي حضارتها... منذ 42 عاما وهم يأكلونها بأسنانهم ويتمزمزون على أنين عذابها, وليس بنية مستعبدها فك الارتباط معها أو وقف نزيفها...
منذ 42 عاما يلعب المحتل معنا فيما يتعلق بالقدس لعبة إضاعة الوقت, كما تلعب القطة بكرة الصوف... جعلوا سبتنا أحداً, والجمعة خميساً, يعطون المتفاوضون وعداً في شهر كانون الثاني وتمضي الكوانين والتشرينات وليس في الأفق ما يبشر بحلِ منصفِ لوجعها وقهرها... ثم لمّا يشتد الطوق عليهم يعودون من جديد لترتيب أوراقهم وتبدأ من جديد رحلة التعامل مع أهم قضايا الأمة كتعامل الإنسان مع طفل عمره شهران, ثم هم يدفعوا بقضية هيكلهم المزعوم على طاولة البحث ليشهروه ويرفعوا أسهمه في البورصة...
لسنا بحاجة للحديث على تفاصيل عن ما يحدث بالقدس ويجري للأقصى, فالظلم الواقع ليس خرافة, أو لوحة سريالين غامضة... إنه ظلم مرئي ومسموع يعتز الجلاد بإيقاعه ووقعه... وهذه الكلمات لا تسقط الشتائم فيها على رأسي وحدي ولكن على رأس كل عربي, وفي هذه المذكرة تنهمر القذائف نحو ذكور الأمة وإناثها وذكور أبناء فلسطين وإناثهم بمن فيهم أنا...
ولكي لا يتهمني أحد بأني أسقط أوجاعي على غيري, فإن المطلوب من كل محب للقدس أن يكون معها في أشد ساعات الحلكة التي تحياها...
أن يهجموا هجمة واحدة على كل من سوّلت له نفسه شنق القدس وإعدام الأقصى, وإطلاق الفوسفور الأبيض على كنيسة القيامة.
الواجب يحتّم وقد هبتّ رياح المنون أن تأخذ كلماتنا في هذه المرحلة شكل صاروخ سام والكلانشنكوف والآر بي جي, وكل كلمة لا تأخذ هذا الشكل وهذا الفحوى فلتعدم أو لتسقط في سلة المهملات أو لتعجن مع الدقيق الفاسد لتصير علفاً للحيوانات...
كل كتابة عربية معاصرة سواء كانت صادرة من الداخل الموجوع, أو من باكستان أو من تركستان أو من جنوبستان إن لم ترفع الى مستوى إطلاق قذيفة أو شعلة نار وتسهم في نصرة القدس, فمن الأولى نقشها على قبر فرعوني قديم لأنها على وجه اليقين مجرد كتابة هيروغلوفية... كل العبادات والشعائر والطقوس الدينية إن لم نقم بها ونحن نحمل مسدس الكلمة التي ستسهم في تحرير الاقصى من ربقة المحتل, عبادة لن ترتفع عن الأرض شبراً واحداً وسوف تبقى معلقة لأن تحرير القدس بات الساعة خُلاصة كل العبادات وصفوتها وأكثرها قربى الى الله.
قل ولو كلمة بنية عقدها بحق القدس والأقصى وإلا لن تعصمك كلماتي ولن تكون بمنأى عن حجارتي لأنك صنم وليس ثمة صنم غير قابل للرجم...
لتجتمع الكلمة والموقف والتحرك حول هذه الأولوية وإلا لن أظل حمامة زاجلة تحط على أكتاف الأمراء ونوابهم ونواب نوابهم وتنقر قمحة الشيكل من راحات أيديهم.
ليس لديّ رغبة أن تتحول كلماتي وأوظفها في خدمة الذئاب, ولا أعزم أن أهجم بها هجمة انتحارية لا تبقي ولا تذر, ولكن ماذا تبقّى لصاحب الكلمات من كلمات ورماح إسرائيل دخلت الى العمق من كبريائنا, لم تُبْق لنا كرامة... حطمت أنسجتنا وأعصابنا وسافرت في أعمق أعماقنا ولا أحد يسألها أين؟ ومتى تغادرين؟ وقد يسألني الكثير أليس هناك طريقة أخرى نتخاطب فيها؟ وهل سيطول أمد الجلد والرجم العلني؟ وأنا أسأل بدوري وماذا سيتغير من واقع الأمة محلياً وعالمياً حتى أميل الى لغة الحوار الهادئ؟
إنّ فلسطين ترمّلت برجالها ونسائها
إنّ أطفال فلسطين يُتّموا قبل يتمهم, وفرسان المنابر أعلنوا إجازة مفتوحة, وعصر المشاحنات والمماحكات والأسباق الصحفية من غير أسباق لا يزال مستمراً, وسماسرة الكلام الذي يعود على نفسه لا يزالون يٌزجون إلى القدس أنجس بضاعتهم, يبيعونها ويشترونها لغرض إعلامي ليس إلا...
كيف أكتب وماذا أكتب؟, إذا كان الحديث عن هموم القدس والحِراك من أجلها صار مملاً... بدأ يأخذ طابع الروتين المحجوج والعادة والإدمان والاتجار بالمخدرات والمُسكرات.
كيف أكتب ومساحة الجرح تتسع دائرتها وكمية دموعنا أكبر من مساحة عيوننا وصرخاتنا أقل من مساحة جراح الشيخ جرّاح؟
ماذا اكتب وقد بات معظم المرابطين في أرض الرباط يشمئزون من نفوسهم وثيابهم وظلالهم في الأرض التي يدبّون عليها...؟
وماذا تكون قيمتنا إذا أصابنا الجبن عن مواجهة الواقع بوجه الأسود, وماذا تكون صورتنا بنظر أنفسنا إذا ارتضينا أن نتحوّل لمجرد مهرّجين يمسحون جوخ وأذيال الواقع وننافق على أعتاب السلاطين؟
القدس تحترق, الأقصى يغرغر غرغرة ما قبل الموت, ولم يعُد بإمكاني الوقوف على الحياد ونثر كلمات المديح والإطراء, والذي يحب القدس يحاول أن يطهر جراحها بالكحول, ويكوي –إذا لزم الأمر- الرؤوس المطأطئة بالنار.
وأتمنى لكل من يقرأ كلماتي أن يغير طقوسه واتجاه ريحه كي نعيد للقدس معاً شمسها المشرقة ونجومها المتلألئة... والبحث عن مدارات أخرى لرفعتها وعزتها كيلا نضطر وإياها للبقاء في الدوران حول أنفسنا بلا فائدة مرجوة, وإنها الفرصة المواتية للتراجع أمام جرح القدس الذي يكبر, وامتيازاته التي تصغر.
سقطت القدس... وقع الاقصى في الأسر وألقيت هذه الأمة من وراء مكاتبها, كُسِرت كل طواحين الهواء العنترية التي كانت تدور في داخلها ولا تطحن إلا علفاً... ثُقِبت كل أكياس التيه والغرور, والعنجهية, والعنتريات التي كانت تملأ جماجمها...
سقطت القدس... وقع الاقصى في الأسر... اغتيلت في نفس اليوم جميع الخرافات من الزير سالم, الى أبي زيد الهلالي, الى الشاطر حسن, وافتح يا سمسم الى السندباد... الى كل الأبطال الخرافيين والمصنوعين من نسج الخيال المريض, ومن مادة الشمع والحلم والصمغ الكاذب, والأمنيات الخادعة, والذين اختبأنا وراءهم قروناً بسبب عجزنا وضعفنا وهوائنا وجبننا وكسلنا, من أن نكون أبطالاً حقيقيين كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص والمقداد بن الأسود وصاحب النُقُب, وصلاح الدين الأيوبي ونور الدين زنكي التفتنا إليهم ساعة العسرة والكرب لنطلب نصرتهم, ونطمئن على معنوياتهم, لم نجدهم إلا أمشاطا مكسورة, وقوارير عطر فارغة...
كل هذه الأمة –إلا من رحم ربك- من المحيط الى المحيط... من طنجة الى جاكرتا... بما في ذلك النباتات والأشجار والحيوان الأبكم... الجدران... والتلال... والجبال... والبحار... والأنهار... والغدران... والصحاري... غير مبرأة من دم القدس... من انتهاك حرمة الاقصى وتدنيس قبتها وصخرتها وباحاتها, وبواباتها ومحيطها وأكنافها...
99.9% غارقون حتى الركب... حتى النخاع في التهمة... وكلٌ شارك في تطويقها ورحلة معاناتها الطويلة, وكلنا مطالبون بدفع الأذى عنها... إنهاء أزمتها... غسيل مآذنها الباكية... ولا أقل من ذلك ولا نود ونحن نغلي من شدة القهر والسخط المطالبة بحرق الذات في منتصف الشوارع حسب الطريقة البوذية, كقِصاص ذاتي لقصورنا وضلوعنا المؤكد في الإيقاع بها وكيها بنار الحصار.
الأقصى يذبح كل ساعة فأين السياسيون والمفكرون والمبدعون والفنانون والأدباء والكتّاب, الذين لبسوا أكفانهم تصحيحاً للخطأ التاريخي, واستعدوا للوقوف كالإعصار في وجه سيف الذابح؟ بل مَن مِن هؤلاء جميعاً الذين أسهموا بقصدِ أو بغير قصد بإذلال سلوان, وشعفاط, وبيت صفافا, وجبل المكبّر ووادي الجوز, وباب العامود, وباب القطانين, وباب الأسباط, والشيخ جرّاح وهو على استعداد أن يستشهد من أجل قدس الأقداس, ولو على بياض ورقة؟؟... أم أن معظمنا وللأسف يوظف فكره, وجهده وحكمه وسيفه لخدمة حكومة بلده... يأكل ويشرب وينام على فراش وثير ووسادة ناعمة ويتمتع كالأنعام, ثم هو ينسى هموم القدس ويذكر فقط أن يدعو للسلطان بطول العمر لأنه يأكل من فتات طعامه...
ما بين غمضة عين وانتباهها ارتحلت القدس... وقع الأقصى رهين المحبس.. لكن أين كنا في هذا اليوم الأسود؟ أين كانت القصائد والسيوف والكلمات؟ كل شئ فينا كان أشبه بالقطط المنزلية الأليفة التي فقدت شهية القتال, وضاعت رهافة أنيابها, كلماتنا... مواقفنا... رجولتنا... شهامتنا... عزتنا كانت كفصائل من الدواجن ترقد كل عام اثني عشر شهراً على بيضاتها, ثم تكشف أن بيضها فارغ.
وهكذا حين ادلهمت الخطوب من كل حدب وصوب وسقطت القدس, لم نجد إلا عنتريات فارغة من أي محتوى, وعضلات مترهلة كثيرة الشحم, بطوننا وكروشنا لا تُحسن إلا الركض خلف الولائم وحفلات دق العِدة ومواسم الدروشة والمناسف.
وأعضاء مجموعة الأمّة العربية غارقون بين الزار والشطرنج, والكازينوهات والنعاس, بل وأغلبهم يمسح الرعاف والمخاط بالجدران وجذوع الأشجار... وأصحاب الكروش يستحمون مع الخيول في المستنقعات.
القدس تغتال... عروس المدائن جهزوا كفنها... ومغول العصر مصرّ ان يقيم فيها إقامة أبدية بعد أن يصفّي حضارتها... منذ 42 عاما وهم يأكلونها بأسنانهم ويتمزمزون على أنين عذابها, وليس بنية مستعبدها فك الارتباط معها أو وقف نزيفها...
منذ 42 عاما يلعب المحتل معنا فيما يتعلق بالقدس لعبة إضاعة الوقت, كما تلعب القطة بكرة الصوف... جعلوا سبتنا أحداً, والجمعة خميساً, يعطون المتفاوضون وعداً في شهر كانون الثاني وتمضي الكوانين والتشرينات وليس في الأفق ما يبشر بحلِ منصفِ لوجعها وقهرها... ثم لمّا يشتد الطوق عليهم يعودون من جديد لترتيب أوراقهم وتبدأ من جديد رحلة التعامل مع أهم قضايا الأمة كتعامل الإنسان مع طفل عمره شهران, ثم هم يدفعوا بقضية هيكلهم المزعوم على طاولة البحث ليشهروه ويرفعوا أسهمه في البورصة...
لسنا بحاجة للحديث على تفاصيل عن ما يحدث بالقدس ويجري للأقصى, فالظلم الواقع ليس خرافة, أو لوحة سريالين غامضة... إنه ظلم مرئي ومسموع يعتز الجلاد بإيقاعه ووقعه... وهذه الكلمات لا تسقط الشتائم فيها على رأسي وحدي ولكن على رأس كل عربي, وفي هذه المذكرة تنهمر القذائف نحو ذكور الأمة وإناثها وذكور أبناء فلسطين وإناثهم بمن فيهم أنا...
ولكي لا يتهمني أحد بأني أسقط أوجاعي على غيري, فإن المطلوب من كل محب للقدس أن يكون معها في أشد ساعات الحلكة التي تحياها...
أن يهجموا هجمة واحدة على كل من سوّلت له نفسه شنق القدس وإعدام الأقصى, وإطلاق الفوسفور الأبيض على كنيسة القيامة.
الواجب يحتّم وقد هبتّ رياح المنون أن تأخذ كلماتنا في هذه المرحلة شكل صاروخ سام والكلانشنكوف والآر بي جي, وكل كلمة لا تأخذ هذا الشكل وهذا الفحوى فلتعدم أو لتسقط في سلة المهملات أو لتعجن مع الدقيق الفاسد لتصير علفاً للحيوانات...
كل كتابة عربية معاصرة سواء كانت صادرة من الداخل الموجوع, أو من باكستان أو من تركستان أو من جنوبستان إن لم ترفع الى مستوى إطلاق قذيفة أو شعلة نار وتسهم في نصرة القدس, فمن الأولى نقشها على قبر فرعوني قديم لأنها على وجه اليقين مجرد كتابة هيروغلوفية... كل العبادات والشعائر والطقوس الدينية إن لم نقم بها ونحن نحمل مسدس الكلمة التي ستسهم في تحرير الاقصى من ربقة المحتل, عبادة لن ترتفع عن الأرض شبراً واحداً وسوف تبقى معلقة لأن تحرير القدس بات الساعة خُلاصة كل العبادات وصفوتها وأكثرها قربى الى الله.
قل ولو كلمة بنية عقدها بحق القدس والأقصى وإلا لن تعصمك كلماتي ولن تكون بمنأى عن حجارتي لأنك صنم وليس ثمة صنم غير قابل للرجم...
لتجتمع الكلمة والموقف والتحرك حول هذه الأولوية وإلا لن أظل حمامة زاجلة تحط على أكتاف الأمراء ونوابهم ونواب نوابهم وتنقر قمحة الشيكل من راحات أيديهم.
ليس لديّ رغبة أن تتحول كلماتي وأوظفها في خدمة الذئاب, ولا أعزم أن أهجم بها هجمة انتحارية لا تبقي ولا تذر, ولكن ماذا تبقّى لصاحب الكلمات من كلمات ورماح إسرائيل دخلت الى العمق من كبريائنا, لم تُبْق لنا كرامة... حطمت أنسجتنا وأعصابنا وسافرت في أعمق أعماقنا ولا أحد يسألها أين؟ ومتى تغادرين؟ وقد يسألني الكثير أليس هناك طريقة أخرى نتخاطب فيها؟ وهل سيطول أمد الجلد والرجم العلني؟ وأنا أسأل بدوري وماذا سيتغير من واقع الأمة محلياً وعالمياً حتى أميل الى لغة الحوار الهادئ؟
إنّ فلسطين ترمّلت برجالها ونسائها
إنّ أطفال فلسطين يُتّموا قبل يتمهم, وفرسان المنابر أعلنوا إجازة مفتوحة, وعصر المشاحنات والمماحكات والأسباق الصحفية من غير أسباق لا يزال مستمراً, وسماسرة الكلام الذي يعود على نفسه لا يزالون يٌزجون إلى القدس أنجس بضاعتهم, يبيعونها ويشترونها لغرض إعلامي ليس إلا...
كيف أكتب وماذا أكتب؟, إذا كان الحديث عن هموم القدس والحِراك من أجلها صار مملاً... بدأ يأخذ طابع الروتين المحجوج والعادة والإدمان والاتجار بالمخدرات والمُسكرات.
كيف أكتب ومساحة الجرح تتسع دائرتها وكمية دموعنا أكبر من مساحة عيوننا وصرخاتنا أقل من مساحة جراح الشيخ جرّاح؟
ماذا اكتب وقد بات معظم المرابطين في أرض الرباط يشمئزون من نفوسهم وثيابهم وظلالهم في الأرض التي يدبّون عليها...؟
وماذا تكون قيمتنا إذا أصابنا الجبن عن مواجهة الواقع بوجه الأسود, وماذا تكون صورتنا بنظر أنفسنا إذا ارتضينا أن نتحوّل لمجرد مهرّجين يمسحون جوخ وأذيال الواقع وننافق على أعتاب السلاطين؟
القدس تحترق, الأقصى يغرغر غرغرة ما قبل الموت, ولم يعُد بإمكاني الوقوف على الحياد ونثر كلمات المديح والإطراء, والذي يحب القدس يحاول أن يطهر جراحها بالكحول, ويكوي –إذا لزم الأمر- الرؤوس المطأطئة بالنار.
وأتمنى لكل من يقرأ كلماتي أن يغير طقوسه واتجاه ريحه كي نعيد للقدس معاً شمسها المشرقة ونجومها المتلألئة... والبحث عن مدارات أخرى لرفعتها وعزتها كيلا نضطر وإياها للبقاء في الدوران حول أنفسنا بلا فائدة مرجوة, وإنها الفرصة المواتية للتراجع أمام جرح القدس الذي يكبر, وامتيازاته التي تصغر.